اخبار

ما تخبرنا به شفاهنا

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما ظهرت أول قُبلة على الشاشة الفضية في السينما عام 1896 اعتُبِر الأمرُ فضيحة وأثار ذلك الجماهير. ولكن لماذا نُحِبُّ التقبيل كثيرًا؟ ما علاقة هرمونات الأوكسيتوسين والدوبامين مع ما نفعله بوجوه أحبائنا؟ لماذا يُعد التقبيل جزءًا لا يتجزأ في بعض الثقافات، في حين يكون غريبًا ومستنكرًا لدى ثقافات أخرى؟ هل تصنع القُبلات الجيدة أحبابًا أفضل؟

هذا ما تتناوله الكاتبة العلمية الأميركية شيريل كيرشنباوم في كتابها عنوان «علم التقبيل: ما تخبرنا به شفاهنا» (دار سطور، بغداد، 2021)، الذي ترجمه المجتبى الوائلي إلى اللغة العربية.

في الكتاب الذي يقع في 240 صفحة من القطع المتوسط، تسترجع المؤلفة عمل الأنثروبولوجية هيلين فيشر من جامعة روتيجرز، التي قالت إن التقبيل نما لتحقيق ثلاث حاجات: الدافع الجنسي والحُب الرومانسي والتعلق بالمحبوب. ويُشكِّل التقبيل الرومانسي أكثر من 90% من الثقافات البشرية، ودوره حسبما تقول كيرشنباوم هو لمساعدتنا كي «نجد شركاء حياتنا والالتزام لشخص واحد وإبقاء الزوجين معًا فترة كافية كي ينجبا طفلًا».

وتُفسِّر الكاتبة، نقلًا عن مجلة «تايم» الأميركية، الكيفية التي تتم بها هذه الظاهرة قائلة إن سلسلة ردود الفعل البيولوجية خلال قُبلة عاطفية ساخنة تلعب دورًا. وأظهر البحث أن التقبيل يرفع من مستويات المرسلات العصبية مثل هرمون «دوبامين» الذي يلعب دورًا في خلق التوق والرغبة وهرمون «سيروتونين» الذي يرفع المزاج ويساعد على إشعال فتيل أفكار استحواذية حول شريكٍ ما. كذلك فإن القُبلة تتسبب في زيادة عالية بالـ«أوكسيتوسين» المعروف باسم «هرمون الحُب» الذي يساعد إطلاقه خلال لحظة البلوغ التعلق الشديد بين الشريكين؛ كذلك فإن توفر مستويات عالية منه في حالات الأمومة الجديدة يعمق حالة التعلق بين الأم وطفلها.

من خلال التاريخ الكلاسيكي وعلم الأحياء التطوري وعلم النفس والثقافة الشعبية، تجمع كيرشنباوم القطع الناقصة في اللوحة، وتتحدّث عن القُبلة قائلة إن العلماء ليسوا متأكدين بالضبط لماذا نقوم بالتقبيل. قد يكون هذا جزءًا من مشكلة عدم وجود تعريف نهائي للقُبلة، بل ليس هناك قبولٌ لنظام تصنيف أنواع القبلات والسلوكيات المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا، بل لم يقم الخبراء لحد الآن بوضع جداول بالأرقام عن التقبيل عبر ثقافات العالم ودلالاتها.

ربما لأن التقبيل يبدو شائعًا جدًا، مما يجعل القليل منا يتوقف للتفكير في مغزى أعمق لهذه الظاهرة، أو ربما تم تجنب الموضوع عمدًا نظرًا للتحديات التي يعطيها تفسير معاني القُبلة حقًا (ص 17).

بسبب قُبلة ما، ربما يتعرّف شخصان على بعضهما بعضًا عن طريق الذوق والشم واللمس، بل حتى رسل كيميائية صامتة تسمى الفيرمونات. إن القُبلة لديها القدرة على توفير أدلة ثاقبة عن الشخص الآخر حتى بدون أن نكون واعين في التعرّف عليه، بل ويمكن أن تكشف أدلة حول مستوى الشريك في الالتزام بل والملاءمة الجينية لإنتاج الأطفال (ص 18).

الكتاب، إذًا، هو عبارة عن لمسات علمية وتاريخية خفيفة وسهلة القراءة عن موضوع شائق للجميع، عدا كارهي الحياة.

ومن كليوباترا إلى كازانوفا، نحن نتذكر كل أولئك الذين كانوا أساطير في فن الإغواء. ولكن هل يمكن أن يساعدنا العلم في فهم ما يبدو أنهم كانوا يعرفونه غريزيًا – أو على الأقل يوجهنا نحو ترك الانطباع الأكثر دوامًا بشفاهنا؟

ترى كيرشنباوم:

«نحن نقُبّل تعبيرًا عن مودّتنا وعشقنا واحترامنا وحبنا. نحن نقُبّل إحتفالًا ببدايات جديدة أو لكي نقول وداعًا. نقبّل لأننا نهتم أو رغبة بأن نبدو كذلك. وكل هذا يؤدي إلى قدر مذهل من النشاط الدماغي والعديد من التغييرات المعقدة في أجسامنا. سوف أنهي هذا الفصل الأخير ببعض النصائح الملموسة حول كيف يمكن، بناءً على أحدث العلوم، أن تكون مُقبّل أفضل – لكن دعنا نتفحص أولًا المسافة التي قطعناها حتى الآن» (ص 217).

نحن نرى اليوم التقبيل بشكل فعلي في كل مكان، وإن كان ذلك في أشكال متنوعة للغاية حول العالم. والتقبيل مثال مثالي لكيف يخلق الجمع بين «الطبيعة» و«التنشئة» سلوكًا واحدًا معقدًا ومتغيرًا، وفي هذه الحالة سلوكًا يعزز الروابط الاجتماعية الحميمة بين ممارسيه – الروابط التي نعتمد عليها من أجل الحب، والدعم، والأمان، بل والنجاة حتى (ص 218).

لقد رأينا أيضًا أننا حين نُقبّل، فإن أجسامنا تعرف غريزيًا الكثير حول ما يجب فعله وكيف تستجيب للشخص الآخر. نحن نجمع كمية مذهلة من البيانات الحسية طوال هذه التجربة، وتؤدي تلك البيانات بدورها إلى بدء سلسلة من التفاعلات الكهربائية والكيميائية، التي تضبط سلوكنا وتساعدنا في تقرير ما إذا كانت القُبلة فعّالة وما إذا كان علينا الإستمرار بها أو الذهاب لأبعد من ذلك أم لا.

في الكتاب، نقرأ أن ما نسميه بـ«التقبيل» له تاريخ بيولوجي عميق ولا يقتصر على البشر فقط بالتأكيد. بدلًا من ذلك، يشير الإنتشار الواسع لهذا السلوك واستمراره بالبقاء إلى أنه يلعب دورًا رئيسيًا في جمع الأفراد في مختلف الأنواع معًا في روابط زوجية عاطفية، أو في مجاميع عائلية أو اجتماعية (ص 221).

عند قدامى البشر أو أسلافهم، قد يكون التقبيل ظهر لأول مرة بحثًا عن القوت والجنس، من الشم لإلقاء التحية، من علاقة الإطعام بين الأم والطفل، أو ربما بمزيج من الثلاثة. لا يمكننا أن نجيب عن ذلك يقينًا، ولكن كل تلك الاحتمالات مدعومة بملاحظة سلوكيات أو استعراضات مماثلة في الأنواع الأخرى. شيء واحد مؤكد، وهو أن التقبيل يعمل، وهذا ما يبقيه موجودًا؛ إذ أنه قديم وشائع في جميع أنحاء العالم.

قالت الممثلة ماي ويست ذات مرة: «القُبلة هي بصمة الرجل». وقد كانت على حق في ذلك. فإلى جانب مجرد الجذب، هناك طريقة أكثر ذكاءً لتوجيه تجربة التقبيل لقراراتنا الإنجابية إلى أبعد من ذلك. هناك قدر كبير من المؤلفات العلمية تشير إلى أن التقبيل قد تطور لمساعدتنا في اختيار شريك مناسب، أو إدراك متى يكون الشريك المحتمل خيارًا سيئًا. قد يكون التقبيل أداة استقصائية تقربنا بدرجة كافية من تذوق وشم وتفسير الإشارات الصادرة من الشريك، وذلك لتقييم إمكان نشوء علاقة معه. وقد يؤدي تبادل المعلومات الشمية واللمسية إلى ظهور آليات غير واعية توجهنا في تقرير ما إذا كان ينبغي لنا الاستمرار في هذه العلاقة، بل وقد تخبرنا القُبلة حتى عن مستوى الالتزام المحتمل للشريك ونسبة التوافق الوراثي معه (ص 222-223).

لدى كلا الشريكين مهارات خفية لمساعدتهما على تقييم الآخر من خلال التقبيل. لذلك، يمكن أن تكون قبلتهما أشبه باختبارٍ طبيعي لعلاقتهم فيما إذا كان ارتباطهما سينتج ذرية تتمتع بصحة جيدة. وهذه لفائدة كبيرة، لنا ولجنسنا البشري (ص 223).

ربما يكون التقبيل قد تم تعلُّمه في وقت مبكر، من خلال المودة التي عبرت عنها العائلة والأصدقاء تجاه طفل صغير. حتى في مرحلة الطفولة، فإن الطريقة التي تضغط بها الأم شفتيها على الرضيع لتقبيله أو إطعامه تحفز مراكز المتعة في دماغ الطفل. كذلك تفعل الرضاعة. قد تضع هذه الأحاسيس خريطة إدراكية مبكرة للمشاعر الإيجابية المرتبطة بالتقبيل والتي ستظهر لاحقًا في علاقات مرحلة البلوغ.

ومع ذلك، فإن مثل هذه التجارب المبكرة غير مفروض عليها أن تكون جزءًا من مجتمع التقبيل العالمي. كما أنها لا تعني دائمًا أن الطفل يعبّر عن حُبّه مستخدمًا شفاههُ كما يفعل البالغون. في العديد من الثقافات التي لا تمارس تقبيل الشفاه كممارسة رومانسية، لم يُلاحظ الأفراد هناك وهم يمارسون المضغ المسبق مع أطفالهم أو تقبيلهم تعبيرًا عن الحب.

أصبح التقبيل اليوم متأصلًا في معظم المجتمعات لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل تجنب مصادفته. كل التأثيرات في البيئة المحيطة تقودنا إلى الرغبة في التقبيل، والشعور به كشيء يجب علينا القيام به تعبيرًا عن الحُب، ومن التفاعل المعقد بين بيولوجيتنا وعلم النفس خاصتنا وتوقعاتنا الثقافية، ظهرت معرفة كيفية التقبيل (ص 226).

الشاهد أن ما بدأ العلم في استكشافه للتو، بمساعدة بعض الأدوات الثمينة إلى جانب الكثير من الأفكار، قد سعى لأجل فهمه الشعراء والفنانين لآلاف السنين، لتُكتَب السوناتات وتُرسم روائع اللوحات مستندة إلى هذه الثيمة فقط. المستكشفون أيضًا تفكّروا في السلوكيات الغريبة المشابهة للتقبيل التي لاحظوها خلال رحلاتهم حول العالم.

إذا كانت هناك رسالة واحدة يريد هذا الكتاب إيصالها، فمن المأمول في أن تكون: لا تقطع الأمل في إيجاد قصة الحُبِّ الخاصة بك. يمكن أن تكون القُبلة واحدة من أكثر التجارب المشتركة استثنائيةً بين شخصين، ويمكن لفهم ما تقوم عليه القُبلة من علوم أن يساعد على تحسين كل لحظة يكون التقبيل جزءًا منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى