اخبار

سحابة فوق مؤتمر

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

على كثرة الأسئلة التي تلقاها أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، وعبد اللطيف الزياني، وزير خارجية البحرين، في المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد ختام القمة العربية، التي انعقدت في العاصمة البحرينية المنامة يوم ١٦ من هذا الشهر، إلا أن أحداً لم يسأل عن غير غزة.

أما الأحوال في قطاع غزة فلا يوجد أحد بيننا لا يتابعها، وهي أكثر من مأساوية، واللغة تعجز في أحيان كثيرة عن وصف ما يتعرض له الأطفال والنساء والمدنيون في أنحاء القطاع.. وبسبب هذه الأحوال فإن الأمين العام بدا حزيناً في المؤتمر كما لم يكن في أي مرة سابقة.

ولكن ما أقصده أن أحداً لم يسأل في المؤتمر عن حال السودان الذي ساء الى حدود بعيدة ، فالحرب هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع دخلت عامها الثاني في الخامس عشر من أبريل الماضي، وأعداد النازحين واللاجئين السودانيين بلا حصر، والأعداد التي في حاجة الى مساعدات انسانية لا نهاية لها، والتدمير الذي لحق بالكثير من البيوت والمنشآت العامة والخاصة مؤلم، والصور الصحفية التي تنقل لنا الوضع هناك تشير الى أن مناطق كثيرة لم تعد تقريباً صالحة للحياة، والسودان الذي عشنا نقول عنه أنه سلة غذاء العالم لا يجد الكثيرون من أبنائه ما يأكلونه ولا يجدون المقومات الدنيا للبقاء أحياء.

وفي احصائية أخيرة يتضح أن عدد القتلى في حرب السودان وصل إلى ثلاثين ألفاً، وأن عدد المصابين وصل إلى سبعين ألفاً.. أما المفارقة الموجعة فهي أن العدد في الحالتين يشبه العدد في قطاع غزة، فكأن عدد الذين سقطوا قتلى أو مصابين في السودان بالنيران الصديقة، كعدد الذين سقطوا في القطاع على أيدي الإسرائيليين.

ما أقصده أيضاً أن ليبيا منقسمة بين حكومتين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، وكلما جاء إليها مبعوث أممي غادر محبطاً وهو يصف الساسة هناك بأنهم “أنانيون” .. وهذا البلد الذي ينتج النفط بكميات كبيرة جاء عليه وقت كان عدد من أهله يستخدم الحطب كوقود بسبب الانقسام الحاصل.. وما أقصده كذلك أن لبنان الذي كان رمزاً للحياة بكل معانيها يعيش بغير رئيس منذ أكثر من سنة، وكلما انعقد برلمان نبيه بري لانتخاب رئيس عادت الأمور إلى المربع الأول، ليبقى البلد بغير رئيس وبغير أمل.

ما أقصده للمرة الرابعة أن الحكومة في اليمن السعيد لا تستطيع دخول العاصمة، وتتخذ من عدن في الجنوب عاصمةً بديلة، وتعيش صنعاء العاصمة أسيرة في أيدي الجماعة الحوثية، ويحيا اليمنيون على أمل أن تدخل حكومتهم العاصمة ذات يوم.

وإذا ذهبت أنت تستعرض الحال في العراق، وفي سوريا، وفي سواهما من العواصم العربية التي ضربتها رياح ما يسمى بالربيع العربي، فلن يختلف الحال كثيراً عن الحالات الأربع المشار إليها، ولن تجد إلا أوضاعاً لا تسر أحداً.. هذا ما قصدته.. فالموت الذي يلاحق الغزاويين قد استحوذ على كل اهتمام في القمة البحرينية، وكان ضاغطاً على الحاضرين بما لا يدع مجالاً لشيء آخر، مع إن هذا الشيء الآخر لا يكاد يقل مأساوية.

خيمت غزة على مؤتمر أبو الغيط والزياني، كما تخيم السحابة الثقيلة فتحجب كل شيء وراءها، والحقيقة أنه ما أثقل السحابة وما أثقل ما كان وراءها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى