مقالات

“مات النبي”.. اعتراض عمر يعود ويثير جدلاً فقهياً: هل حسمته الإفتاء؟


12:57 م


الأربعاء 31 مايو 2023

كـتب- علي شبل:

هل يجوز قول النبي مات؟.. سؤال فجر جدلا فقهيا بين الشيوخ والعلماء، وانتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين عدم جواز قول إن “النبي مات” صلى الله عليه وسلم، وبين من يراها وصاية مفروضة على الناس، وبين من يراها جائزة شرعًا، ولكنها ليست من الأدب في مخاطبة الجناب النبوي.

في التقرير التالي، يرصد مصراوي آراء العلماء في تلك المسألة، وشبهة قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن النبي لم يمت ورد العلماء عليها:

الجندي: “لا يجوز أن نقول عن النبي أنه مات”

في البداية، خرج الشيخ خالد الجندى عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة برنامج “لعلهم يفقهون”، المذاع على فضائية “dmc”، مؤكدا أنه لا يجوز القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم مات: “أهل النبي بالنسبة لهم النبي عايش، إحنا لا نقول مات نقول انتقل”.

وفي حلقة تالية من نفس البرنامج، استشهد الجندي للدلالة على فتواه برأي أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، قائلًا: “هناك كارثة نعيش فيها وكثيرون يفتون دون علم، فدار الإفتاء المصرية أكدت فى فتوى أنه لا يجوز قول النبي ميت”.

الإفتاء: قول “النبي مات” جائز، ولكن ليس من الأدب

وفي إحدى حلقات البث المباشر للصفحة الرسمية لدار الإفتاء على فيسبوك، أكد الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة خاصة برزخية، فهو الذي أخبرنا أن الأنبياء أحياء في قبورهم، “فالنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية اللغة والواقع قد مات والله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: “أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ”.

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء أن الموت جائز عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكننا لا نعبر بهذا اللفظ لا لأنه لم يمت ولكن تأدباً وتخيرًا للألفاظ المناسبة للتعبير عن النبي صلى االله عليه وسلم فنقول انتقل إلى الرفيق الأعلى وألفاظ من هذا القبيل، “فنحن نستعمل عبارات فيها مبالغة في الأدب عند الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم”.

سعد الهلالي: النبي مات و”بلاش وصاية”

أما الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فدخل هاتفيا مع الإعلامي عمرو أديب في حلقة برنامج الحكاية، ليرد على ذلك الجدل قائلًا: “هذه وصاية وأنا لا أرغب في هذه الوصاية”.

ولفت “الهلالي”، إلى أن هناك أحاديث صحيحة “بتقول لما حد يصلي على النبي ربنا بيرد له روحه وبيرد السلام، وفي أحاديث أخرى بإن الأنبياء أحياء في قبورهم.. لكن لما ننظر لظاهر القرآن الكريم، ربنا بيقول: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ويقول: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ)، إذن المسألة مسألة تأدب، يعني هو يريد أن يقول تأدبًا مع الرسول قولوا انتقل، ولا تقولوا إنه مات، لكن الصحابة والتابعين والقرآن الكريم قالوا مات”.

وتابع الهلالي: “ومع ذلك بقى مقام النبوة عند صاحب الشأن، زي ما في ناس بتقول إن بابا مامتش، بابا عند ربنا، مش عايزين يسمعوا كلمة إن بابا مات، وهذا حقهم، بس الافتئات على الآخر بقول قُل ولا تقل دي اسمها وصاية، وأنا لا أرغب في هذه الوصاية”.

شبهة إنكار عمر بن الخطاب موت رسول الله صلى الله عليه وسلم

جاء في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَاتَ وأَبُو بَكْرٍ بالسُّنْحِ، -قَالَ إسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بالعَالِيَةِ- فَقَامَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما مَاتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَتْ: وقَالَ عُمَرُ: واللَّهِ ما كانَ يَقَعُ في نَفْسِي إلَّا ذَاكَ، ولَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أيْدِيَ رِجَالٍ وأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ فَكَشَفَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتًا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أيُّها الحَالِفُ، علَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أبو بَكْرٍ وأَثْنَى عليه، وقَالَ: ألا مَن كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، قَالَ: واجْتَمعتِ الأنْصَارُ إلى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقالوا: مِنَّا أمِيرٌ ومِنكُم أمِيرٌ، فَذَهَبَ إليهِم أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فأسْكَتَهُ أبو بَكْرٍ، وكانَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما أرَدْتُ بذلكَ إلَّا أنِّي قدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قدْ أعْجَبَنِي، خَشِيتُ ألَّا يَبْلُغَهُ أبو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ أبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ في كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بنُ المُنْذِرِ: لا واللَّهِ لا نَفْعَلُ، مِنَّا أمِيرٌ، ومِنكُم أمِيرٌ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا، ولَكِنَّا الأُمَرَاءُ، وأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ دَارًا، وأَعْرَبُهُمْ أحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أوْ أبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أنْتَ؛ فأنْتَ سَيِّدُنَا، وخَيْرُنَا، وأَحَبُّنَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ عُمَرُ بيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ. وقَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، أخْبَرَنِي القَاسِمُ، أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: شَخَصَ بَصَرُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: في الرَّفِيقِ الأعْلَى، ثَلَاثًا، وقَصَّ الحَدِيثَ. قَالَتْ: فَما كَانَتْ مِن خُطْبَتِهِما مِن خُطْبَةٍ إلَّا نَفَعَ اللَّهُ بهَا، لقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ، وإنَّ فيهم لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بذلكَ، ثُمَّ لقَدْ بَصَّرَ أبو بَكْرٍ النَّاسَ الهُدَى، وعَرَّفَهُمُ الحَقَّ الذي عليهم، وخَرَجُوا به يَتْلُونَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وفي رد العلماء على تلك الشبهة:

أولا: أن هذا من شدة دهشة عمر بموت الرسول وكمال محبته له صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشيء، وكثيرا ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد؛ لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية.

ثانيًا: أنه قد تراجع عن هذا بعد أن ذكره أبو بكر رضي الله عنه بالآيات القرآنية الدالة على موته صلى الله عليه وسلم كباقي البشر، ولم يستمر على قوله السابق، مما يدل أنه كان وقافا عند النصوص الشرعية، متبعا للأدلة، مقدماً لها على رأيه، فيكون هذا من فضائله ومناقبه.

ثالثًا: في المواقف العظيمة قد يذهل الإنسان، ويفقد تركيزه، ويتشتت تفكيره، وهذا يثبته الرافضة حتى للنبيّ صلى الله عليه وسلم.

اقرأ أيضًا:

بعد صورة أحمد الفيشاوي أمام الكعبة.. هل يمنع الوشم قبول الصلاة والعمرة؟

بعد فتوى علي جمعة.. خلاف فقهي يشتعل: هل يجوز الحج بقرض؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى