اخبار

نجا من مذبحة السبت واستهان بالسادات.. كيف حاول كيسنجر إنقاذ إسرائيل من حرب أكتوبر؟

كتب- محمد صفوت:

لم يقض هنري كيسنجر وقتا طويلا في منصبه الجديد كوزير للخارجية الأمريكية، إلى جانب كونه يشغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، حتى كان اختباره الأول باندلاع حرب السادس من أكتوبر عام 1973 بعد أسبوعين فقط من أدائه اليمين الدستورية.

إذ مثلت الحرب تهديدا وجوديا للكيان الإسرائيلي حديث العهد، والتي ألهمت دولاً على رأسها السعودية حظر النفط على الغرب ما اعتبره مراقبون سلاحًا استراتيجيًا في الحرب، وكانت بمثابة نذير لمواجهة عسكرية مباشرة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة آنذاك.

وتُظهر مذكرات كيسنجر”سنوات البيت الأبيض” كيفية تأثير الحرب على الساحة الدولية والتحركات الدبلوماسية، حيث واجهت إسرائيل خسائر مذهلة على الصعيد العسكري، قبل أن تدعو واشنطن إلى التدخل لتزويدها بالأسلحة اللازمة لمواجهة الجيش المصري.

“كلما صمدت إسرائيل لفترة أطول بالأراضي العربية المحتلة، طال أمد عجز السوفيت عن تقديم ما يريده العرب”، هكذا قال كيسنجر بعد أن تولى وزارة الخارجية ويصبح مسؤولاً رسميًا عن القضايا العربية الإسرائيلية ، خلفا لـ وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكية آنذاك.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فإن الرئيس ريتشارد نيكسون سعى لإبقاء كيسنجربعيدًا عن شؤون الشرق الأوسط كونه يهوديًا، ولكن في وظيفته الجديدة كوزير للخارجية، لم يُكن بمقدوره تجنب التورط في هذه الأزمة.

ولم يكن نيكسون تملص من فضيحة ووترجيت بعد، وحينما حاول صد المطالب القانونية بتسليم أشرطة البيت الأبيض، أُجبر نائب الرئيس سبيرو أجنيو على الاستقالة في فضيحة فساد، أقال فيها نيكسون المدعي الخاص في قضية ووترجيت أرشيبالد كوكس، ثم استقال المدعي العام إليوت ريتشاردسون ونائبه وليام روكلشاوس في “مذبحة ليلة السبت” (مصطلح مجازي يستخدم للإشارة إلى الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة ليلة السبت 20 أكتوبر 1973 على إثر فضيحة ووترجيت)، بينما كان كيسنجر في طريقه إلى موسكو سعيًا إلى وقف إطلاق النار.

بالنسبة لكيسنجر ووزير الدفاع جيمس شليزنجر وألكسندر هيج، وهو جنرال في الجيش الأمريكي وكان رئيسًا لأركان البيت الأبيض، فإن الأهداف في بداية حرب 1973 تضمنت ما يلي: “ضمان بقاء إسرائيل، ومنع إذلال عسكري آخر لإسرائيل. فالعرب، عندما تنقلب الحرب ضدهم، يحدون من الفرص المتاحة للسوفييت لاستغلال الأزمة، ويفعلون كل ذلك دون أن يبدو أنهم يزيدون من تقويض ما تبقى من سلطة نيكسون”.

دعم إسرائيل لمنع تحقيق انتصارًا عربيًا

وفي مقابلة مع صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، في سبتمبر من العام الماضي، اعترف كيسنجر، بأنه والرئيس نيكسون، عملوا بشكل قوي وحثيث في حرب أكتوبر على توفير الدعم المباشر والخدمات الحاسمة لإسرائيل، حتى لا يتحقق نصر عربي عليها.

وفي الوقت نفسه، أدى ذلك ليس فقط للتأثير على سير المعارك على الأرض، بل كان له وزن كبير في المحادثات اللاحقة التي أفضت إلى اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل.

وقال في المقابلة: “نصر كهذا ضربة للولايات المتحدة نفسها؛ لأنه كان من الممكن تفسيره على أنه انتصار سوفيتي علينا؛ لذلك كنا مقتنعين منذ اللحظة الأولى بضرورة عودة القوات المصرية والسورية إلى الخطوط التي كانت معتمدة قبل اندلاع المعارك”.

وأكد أنه عارض مناقشة طلب إسرائيلي لوقف إطلاق النار بينما كانت إسرائيل قد بدأت بالتحضير للهجوم على الجولان السوري، وفي نفس الوقت تستمر المكاسب المصرية في ساحة المعركة، وأضاف: “أولينا أهمية كبيرة لخطر أن يُنظر إلى الأسلحة السوفياتية على الساحة الدولية على أنها ذات جودة أعلى بسبب النجاحات التي حققها الجيش المصري”.

فيما تكشف صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أنه عندما هددت موسكو بإرسال قوات لدعم الجيش المصري، أمر كيسنجروهيج، بإصدار إنذار عالمي للقوات النووية الأمريكية، دون إبلاغ نيكسون، الذي كان مشتتًا بسبب التهديد المتزايد بالعزل على إثر فضيحة ووترجيت.

تسريع الجسر الجوي الأمريكي

وعمل على تسريع الموافقة على الجسر الجوي العسكري الأمريكي إلى إسرائيل، بهدف وقف التقدم المصري في ميدان المعركة، بعدما عانت الدولة العبرية من نكسات مبكرة في ساحة المعركة، يقول كيسنجر: “استغرق الأمر 3 أيام حتى يتمكن الجيش الأمريكي من جمع المعدات اللازمة. ولم يكن لدينا حليف محظوظ إلى هذا الحد مثل إسرائيل”.

بينما تقول “سي إن إن” الأمريكية إن: “نهج الانفراج الذي اتبعه في التعامل مع العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والذي ساعد في تخفيف التوترات وأدى إلى العديد من اتفاقيات الحد من الأسلحة، هو الذي قاد الموقف الأمريكي إلى حد كبير حتى عهد ريجان”.

وترى “واشنطن بوست” أن معظم نتائج الحرب في النهاية كانت إيجابية، حيث انتهى القتال وتحقق وقف إطلاق النار، ووافق الرئيس الراحل محمد أنور السادات على إجراء محادثات عسكرية مباشرة مع الإسرائيليين، ونجت تل أبيب من تبديد حلم اليهود بإزالة دولتهم من المنطقة، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ومصر، التي تمزقت عام 1967.

الدبلوماسية المكوكية

بالعودة إلى سنوات الحرب، شكل كيسنجر ما يعرف باسم “الدبلوماسية المكوكية” من أجل تمديد وقف إطلاق النار الهش وتحقيق الاستقرار، وقضى 33 يومًا متتاليًا في الشرق الأوسط في عام 1973، في مفاوضات بين العرب وإسرائيل، سافر خلال تلك الفترة إلى 6 دول، وزار إسرائيل 16 مرة وسوريا 15 مرة.

رغم “الدبلوماسية المكوكية” التي اتبعها كيسنجر، فإنها لم تسفر عن أى اتفاقات سلام خلال فترة توليه مهام منصبه، لكنها ساهمت في تحقيق الاستقرار بالمنطقة وأدت في النهاية إلى اتفاقية كامب ديفيد، وحيدت نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة.

وفي الفترة التي تلت مفاوضات السلام، استطاع الحفاظ على أساسيات الانفراج مع استبعاد السوفييت.

وتؤكد “واشنطن بوست” أن كيسنجر فشل في الشهور الأولى من الحرب وقبل رحلاته المكوكية، في تحقيق مزيد من التقدم على جبهة السلام في الشرق الأوسط، وأصبح كل تفاعل أمريكي مع مصر وإسرائيل بمثابة برميل بارود في السياسة الداخلية والخارجية.

السادات وكيسنجر

أورد الدبلوماسي الأمريكي الأشهر، تفاصيل علاقته بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، في كتاب “القيادة: ست دراسات فى استراتيجية العالم” الذي صدر في 2022، وتناول في البداية عدم تقديره للرئيس الراحل السادات، الذي أرسل إلى الأول مبعوثًا التقى به مرتين قبل حرب السادس من أكتوبر.

ويعترف كيسنجر في كتابه، بأنه استهان بالسادات قبل الحرب، ويتذكر كلمة مبعوثه له “لو مضى هذا الاجتماع بشكل جيد، فإن الرئيس سيدعوك إلى القاهرة”.

يقول كيسنجر: كتبت ملاحظة لمساعدي بيتر رومان الذي كان جالسًا بجوارى أقول فيها “هل سأكون غير مهذب لو سألته ما هي الجائزة الثانية؟”.

في اليوم الثاني من حرب السادس من أكتوبر، بعث السادات رسالة إلى كيسنجر، يبلغه أنه يريد التفاوض بعد الحرب، يقول كيسنجر في كتابه: “كنت قد بعث إلى السادات رسالة أبلغه فيها بأنه خلال الحرب عليه أن يضع في اعتباره أن يقاتل بالأسلحة السوفيتية لكن سيكون عليه صنع السلام من خلال الدبلوماسية الأمريكية.

وبعد أسبوعين، التقى كيسنجر الرئيس السادات الذي أبلغه بأنه يريد السلام ويريد “خطة كيسنجر” ويواصل حديثه في كتابه قائلاً: “لكن بما أنك لم تكن متاحًا فقد وضعت خطة كيسنجر”، وذهب إلى خريطة وشرح له، ويقول كيسنجر أن هذا الاستعداد للمضي خطوة بخطوة بدلاً من السعي إلى تسوية شاملة كان إنجازًا.

ويرى كيسنجر في كتابه، أن رؤية السادات للسلام كانت شجاعة وغير مسبوقة فى تصورها وجريئة فى تنفيذها.

هنري كيسنجر، الباحث ورجل الدولة والدبلوماسي الشهير الذي كان يتمتع بسلطة لا مثيل لها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في جميع أنحاء إدارات الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، والذي قدم على مدى عقود بعد ذلك، كمستشار وكاتب آراء شكلت العالم، توفي اليوم في منزله في ولاية كونيتيكت عن عمر ناهز الـ 100 عامًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى