اخبار

معجون كلام.. الخروج من القاهرة

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يجب أن نبدأ خطة لتفريغ القاهرة من سكانها، المدن الجديدة والتي تمثل في الأغلب تجربة سكنية أفضل معيشيا ومجتمعيا في مصر تحتاج لما هو أكثر من الطرق لدفع الناس للعيش فيها، فرغم اكتظاظ تلك المدن بالسكان فمازالت نسب الإشغال فيها غير كبيرة بالمقارنة بعمرها الكبير والذي تجاوز الأربعين عاما في بعض المدن، حيث يفضل الكثيرون الحياة في القاهرة الخانقة، وسط العشوائيات أو الأحياء الفقيرة وفي ظروف آدمية متهالكة على أن يعيش في أحد المدن الجديدة ولذلك العديد من الأسباب..

أولها وأهمها هو التكلفة الاقتصادية، للأسف فتكلفة الحياة في المدن الجديدة أكبر من مثيلتها في القاهرة، لا ترتفع التكلفة فقط مع المواصلات وإنما تمتد حتى لأسعار الخضروات والبقالة والتي ترتفع في المدن الجديدة تحت إلحاح الحاجة وبُعد المسافات. في تجربة شخصية كنت أستقل مترو الأنفاق إلى عملي كل يوم فلا أنفق أكثر من سعر تذكرتين يوميا، أما الآن فأنا مضطر للذهاب بسيارتي، المواصلات غير مباشرة، فلا يمكن أن أذهب لعملي بمواصلة واحدة.

إذن فما الحل؟ كنت أجلس مع صديق إيطالي قال لي إنه لا يستطيع السكن في روما وذلك مثل أغلب الإيطاليين، الكل يتوجه للسكن في الضواحي، أسعدني الحظ بعدها زرت مدينة النور، الضواحي أكثر اتساعا والمقارنة بينها وبين باريس تشبه المقارنة بين وسط البلد أو مصر الجديدة والتجمع أو أكتوبر، وأنا هناك فهمت أن كل شيء يكون أرخص عندما تكون في الضواحي، حتى الملابس والبقالة والمطاعم، فالمحلات الموجودة في باريس نفسها تدفع ضرائب أعلى بكثير من الموجودة في الضواحي، نفس الحذاء لنفس الماركة سعره أرخص في الضواحي، ولذلك لا يسكن في وسط المدينة وأحيائها إلا الأغنياء فقط أما الباقون فتوجهوا لحياة أفضل في الضواحي.

في فرنسا الضريبة العقارية تحدد حسب الخدمات الموجودة في المنطقة، قالت لي سيدة مصرية تملك مطعما في ضاحية “مونروج” إن الضريبة رفعوها على منطقتها هذا العام بعد وصول خط الترام، لو وصل خط مترو كانت سترتفع أكثر، وهكذا، السيدة كانت سعيدة بوصول خط الترام ولا تمانع في زيادة الضريبة لأن الترام سهل حركتها وقلل مما تدفعه ثمنا لبنزين السيارة وزاد من قيمة العقارات الموجودة في المنطقة.

في مصر تدفع الدولة ثمن خط المترو وترتفع كل العقارات الموجودة في طريقه بمجرد الإعلان عن النية في تدشين خط على هذا المسار، الكل يكسب بينما تخسر الدولة من تشغيله وتتعثر خططها الجديدة لإنشاء خطوط تخدم مناطق أخرى، لماذا لا تحدد قيمة الضريبة العقارية وقيمة الخدمات لتكون أعلى على سكان القاهرة، كما يتم اعتماد استراتيجية إعفاءات للمناطق قليلة الخدمات مقابل ضرائب تصاعدية للمناطق كثيفة الخدمات.

تخيلوا أن من يسكن في حي راقٍ كالمهندسين مثلا تكلفة حياته أقل بكثير من شاب يسكن في شقة بإسكان الشباب الجديد بدهشور، لو حسبها الشاب يمكنه بفرق التكلفة أن يؤجر شقة بداخل القاهرة ليزداد الاذدحام وترتفع التشوهات الخرسانية أكثر وتظل المدن المخططة جيدا خالية.

ليس معنى هذا أن الكل سيترك القاهرة، ولكن قطاع كبير ممن يسكنون في الاحياء الفقيرة والتي لا تتمتع بهواء نظيف أو مساحات خضراء أو تخطيط جيد وارتفعت فيها ادوار العمارات لتصل لأحد عشر دورا في شوارع ضيقة لم تر الشمس منذ زرع تلك التشوهات فيها، يمكن لهؤلاء أن يختاروا العيش في مدن منظمة أكثر وفيها مساحات خضراء ومدارس ذات كثافة أقل وشوارع أوسع وفي نفس الوقت سيعطون الفرصة للعاصمة كي تتنفس وتحل مشاكلها وتخفف من الضغط عليها.

ليس سكان الأحياء الفقيرة فقط، أيضا الأحياء المتوسطة، الحياة في المدن الجديدة أكثر آدمية منها، حتى الأحياء الراقية في المدن الجديدة أفضل بكثير من مثيلاتها في العاصمة.

أيضا وفي ظل كل هذا الزحام، لماذا لا يصدر قانون بمنع ترخيص السيارات الأقدم من عشرة أعوام في إدارات مرور الأحياء القديمة في القاهرة، يصرح بترخيصها فقط في المدن الجديدة، أهل المدن الجديدة لا توجد عندهم ربع فرص المواصلات الموجودة في القاهرة، لماذا لا يكون لسكان المدن الجديدة الأولوية في خطط نظام التأمين الصحي الشامل؟

يمكن لنا أن نصدر تشريعا يتضمن إجراءات تدريجية لتنفيذ مخطط لدفع الناس للسكن في المدن الجديدة وتخفيف الحمل عن الأحياء القديمة في عاصمتنا التي نريدها جميلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى