استحوذت حياة الكتّاب العرب في بلاد الغرب على اهتمام العديد من المثقفين خلال فعاليات مسابقة “اقرأ” التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” بشكل سنوي، والتي تستعد لإطلاق مرحلة التصفيات النهائية للنسخة السابعة في شهر يونيو المقبل، حيث وصف متحدثون أن حياة الكتّاب في الغرب تشكّل صراعا للبعض منهم، لأسباب تعود إلى ازدواجية اللغة بين الكاتب والدولة المضيفة، بيد أن الصراع يسدل ستاره بحصيلة لغوية ثرية، فيما فضّل آخرون تصنيف الكتّاب في الغرب من أجل الخوض في حياتهم الأدبية.
تقارب ثقافي
من جانبها، قالت الدكتورة إيمان مرسال إن حال الكتّاب العرب في بلاد الغرب متنوعة، تؤدي إلى ثراء في نهاية المطاف، ولكونها تعيش لأكثر من 20 عامًا في كندا، سردت الدكتورة إيمان الحاصلة على جائزة الشيخ زايد للكتاب، كيفية نمط الحياة للمثقفين العرب في الغرب، موضحة أن الكاتب المثقف، مواطن مهاجر يعيش إحساس الحنين إلى الوطن محاولًا مزج ثقافته بثقافة أخرى؛ ليصبح لديه تقارب ثقافي، مبينة أن القوة الدافعة لهؤلاء الكتّاب، ربما تتسبب تارة في صراع وتارة أخرى تآلف، إلى أن يصل الكاتب لحد الثراء اللغوي أو الأدبي.
كما أبانت مرسال أن الكتّاب ليسوا ضحية كما يعتقد البعض، وإنما هناك حالات منهم تربط بين المحافظة والهوية، وآخرون يصبحون كتّابا انتهازيين ومنهم منعزلون، وذلك بحسب نمط الحياة الثقافية التي يعيشون بها، فمنهم من يكتب بلغة مغايرة للغته وآخرون يعملون بمهن تضطرهم إلى التحدث بلغة الآخرين، إلا أنهم يسردون روايات وأبيات من الشعر والكتب بلغتهم الأم، فهنا قد تحدث حالة من المزج أو الاضطراب الثقافي، وغالبًا ما يتم السيطرة عليها، مردفة “لكل كاتب حياة خاصة له، لذلك لا يمكن التعميم أو إصدار حكم بمسمى ثابت لكاتب الفن الأدبي”.
أصناف فرعية
وفي سياق متصل، يرى الدكتور عبد الله اليزيدي، أستاذ السلوك التنظيمي في جامعة القصيم، أنه لكي ندرك أحوال الكتّاب العرب في الغرب، نحتاج أن نصنفهم بصورة مناسبة؛ لانتمائهم إلى أصناف فرعية عديدة مشتتة للتحليل ومبعثرة للفهم، ولعل من التصنيفات المناسبة أن نجعلهم في أربعة أصناف وهم: الكتّاب الأكاديميون الذين يمارسون العمل البحثي والفكري في المؤسسات الجامعية والبحثية، حيث يختلف نتاجهم من جهة المنهجية والعمق والتأثير وهم صنفان: منهم ذوو هُوية عربية صافية، نجحوا في الحفاظ على هويتهم من الذوبان، مما يجعل أغلب أعمالهم داعمة للمشروع النهضوي العربي، وقد ترتقي أعمالهم إلى فكرة المشاريع البحثية الكبرى، ومن بينهم العلّامة رشدي راشد، حيث كرّس نفسه للانشغال في موضوع تاريخ العلم والمنطق والفلسفة في التراث العربي الإسلامي، ولا يزال يقّدم نتاجًا رصينًا.
وأمّا الصنف الآخر فهم ذوو هُوية مستغربة، حيث يجاهدون للتخلص من أصولهم العربية، ويسعون جاهدين للانضواء تحت النموذج الغربي بأبعاده الفلسفية والمنهجية والفكرية، هؤلاء ليسوا بأكثر من نسخ مكررة للباحثين الغربيين التقليديين، وقد يكون من بينهم من يحمل عقدًا تجاه بني جنسه، فتكون أعمالهم وبالًا على الفكر العربي أو صورة نمطية عنهم، ومن بينهم من يكون منتميًا لما ما يمكن تسميته بـ المثقفين الكارهين ذواتهم، حيث يرسمون صورًا سلبية عن العرب جراء التشوهات والأغاليط الموجودة في الكتب المتحيزة، وقد أصبحوا يؤثرون على الأجيال العربية الجديدة، مما يستدعي التنبيه لخطورة ذلك.
أما الكتّاب المتفرغون الذين يعملون لصالح أنفسهم ويقتاتون على العمل البحثي والفكري، وهم أنواع ودرجات وتختلف مستويات استقلالهم ومصداقيتهم، فبعضهم يكتب وفق ما تمليه عليه المنهجية والضمير، وبعضهم وفق ما يمليه عليه السوق، بينما الكتّاب غير المتفرغين ينشطون في الكتابة بين الوقت والآخر وفق جدولهم أو بحسب مشاريع بحثية أو فكرية يجري استكتابهم فيها، وفي الغالب يكون عملهم على درجة جيدة من الاستقلالية والمصداقية.
